النحل المصرى فى مهمة قومية

النحل المصرى فى مهمة قومية

رحلات طيران قصيرة ومتكررة تخوضها أسراب من النحل يوميا، ذهابا وإيابا، بحثا عن قوتها، وفى المقابل تطير أسراب أخرى خارج الوطن من أجل تمثيل مشرف لبلادها، التى استحقت المركز الأول عالميا فى تصدير طرود النحل الحى، فقد استطاع النحل المصرى بما يملكه من خصائص متفردة أن ينافس بقوة فى مهمته الخارجية، التى قد لا يعرف الكثيرون شيئا عنها، وبمناسبة حديث الصادرات المصرية وتفوقها هذا العام فى السوق العالمية، يكون من الضرورى إلقاء الضوء أيضا على كواليس صناعة النحل وإزاحة العقبات التى تقيد انطلاقته نحو أسواق جديدة.


 


مناخ مصر المعتدل صيفا وشتاء مقارنة بمناخ القارة الأوروبية الذى تنخفض فيه درجة الحرارة إلى ما تحت الصفر، وبمناخ دول الخليج حيث الجفاف مع ارتفاع درجة الحرارة إلى ما فوق الخمسين لأغلب أشهر السنة.. أعطى النحل المصرى إحدى مزاياه التنافسية فى عالم التصدير، وجعله مطلوبا لا سيما من دول الخليج .. وذلك وفقا لما قاله فتحى بحيرى، رئيس اتحاد النحالين العرب، موضحا أنه يصعب على النحل بصفة عامة العيش والتكاثرفى أى من الأجواء، شديدة الحرارة أو البرودة، إلا فى الفترات القليلة من العام التى يعتدل فيها الطقس، مشيرا إلى توارث المصريين مهارات وأسرار مهنة النحالة عن طريق أجدادهم الفراعنة الذين كانوا روادا فى اكتشاف منتجات النحل المتعددة، وتأثيرها العلاجى أيضا، ويطالب بحيرى بالسير على خطى الأجداد، وتعظيم الاستفادة من منتجات النحل بإدخالها فى منظومة الصناعة الدوائية والعلاجية، سواء إنتاج العسل أو حبوب اللقاح والبروبليس وخبز النحل، - أى حبوب اللقاح التى يجمعها النحل ثم يجرى عليها عمليات تغير فى خواصها - وغذاء الملكات ومصل النحل، وكل هذا يحقق تغطية للسوق المحلى وتوفيرا للعملة الصعبة بعدم استيراد هذه المنتجات .


ويوضح أن مصطلح «صناعة النحل»، يشمل إنتاج الطرود أو العسل، فضلا عن باقى المنتجات الأخرى، كما يشمل عدداً من الصناعات الوسيطة مثل «الغذايات» أو الأوعية البلاستيك المخصصة لوضع مغذيات للنحل، أو صناعة صناديق الطوائف (الخشبية) ذات المواصفات القياسية المحددة أو صناعة العلاجات النحلية، سواء الكيميائية أو الطبيعية لأمراض النحل، وصناعة مغذيات النحل البروتينية والعلاجية، بالإضافة إلى صناعة خيش التدفئة أو الفايبر، مؤكدا أنه رغم غياب الأرقام والبيانات الإحصائية الدقيقة عن صناعة النحل داخليا، إلا أنه من المؤكد أن هناك آلاف الأسر يأتى دخلها الوحيد من العمل فى هذه المهنة، وتتوافر لديهم الخبرة والكفاءة التى أهلت مصر لتكون موضع الريادة العالمية فى هذه الصناعة. ويطالب رئيس اتحاد النحالين العرب، بالعمل على إنشاء قاعدة بيانات لصناعة النحل فى مصر، إذ لا توجد إحصاءات رسمية عن حجمها فى مصر ولا عن عدد العاملين فى هذا المجال، ولا عدد طوائف النحل، ولا حجم الصناعات الرافدة المساعدة لصناعة النحل، مثل عدد المصانع والورش المصنعة لصناديق النحل بنوعيها؛ الخاص بالتصدير والتربية وعدد مصانع شمع النحل والكميات المستخدمة سنويا فى تلك الصناعة، وعدد المناحل الموجودة بالفعل والشركات المصدرة للعسل والنحل، مشيرا إلى خطورة غياب هذه التفاصيل والأرقام وتأثيرها السلبى على أى قرارات تستهدف الإصلاح والتطوير فى هذا الشأن، مطالبا بإنشاء نقابة للعاملين فى مهنة النحل لدعم حقوقهم، والتحدث باسمهم ورفع مطالبهم.


لأن مقصدنا الأساسى كان أن نفتح ملف النحل الحى بكل تفاصيل عملية إنتاج الطرود وتصديرها، ولماذا حازت مصر هذه المكانة المتميزة ؟ وماإذا كانت هناك معوقات تحول دون زيادة الصادرات؟ والأسواق التى تنتظر النحل المصرى - حاليا ومستقبلا- ؟ توجهنا إلى قسم بحوث النحل بمعهد وقاية النبات التابع لوزارة الزراعة، وهو المختص بمنح تصاريح تصدير النحل الحى، وهناك وجدنا ضالتنا لدى الدكتور محمد فتح الله، رئيس القسم، الذى بادرنا بمعلومتين موثقتين بالأرقام - التى تتوفر على صعيد التصدير، بينما تغيب للأسف كما ذكرنا على الصعيد المحلى، إذ أكد دكتور فتح الله أولا: أن مصر تحتل المركز الأول عالميا فى تصدير النحل الحى، وثانيا: أن حصتها التصديرية تتجاوز الـ 25 % من حجم الصادرات العالمية للنحل الحى، وأخذ يشرح لنا الخطوات الصارمة التى يخضع لها أى طرد نحل قبل السماح بالتصدير، وذلك حفاظا على سمعة مصر وما حققته من ثقة تتعلق بمستوى وجودة النحل المصرى، قائلا : لابد أن يحصل أى مُصدر أولا على موافقة الخدمات البيطرية فى وزارة الزراعة على التصدير ويسدد جنيها واحدا عن كل طرد، وتمنح شهادة بذلك تمتد صلاحيتها لستة أشهر، وبعد ذلك تتولى لجنة من القسم مهمة أخذ عينات من النحل الحى، المقرر تصديره، للتأكد من خلوه من الآفات والطفيليات ومطابقته المواصفات المتفق عليها بين المستورد والمصدر، ويسدد عن كل طرد 8 جنيهات لمصلحة خزينة الدولة، لافتا إلى أن المتعارف عليه أن وزن الطرد المرزوم يكون فى حدود كيلو ونصف الكيلو، أما الطرد الخشبى فيكون 5 أقراص شمعية 3 حضنات « يرقات»، بالإضافة إلى بروازين: عسل وحبوب لقاح، لكن أحيانا تختلف مطالب المستورد فتارة يتم الاتفاق على أن يكون الطرد 3 براويز أو بدون ملكات أو يطلب زيادة عدد الأقراص الشمعية، فالمواصفات تختلف حسب طلب كل عميل لكن مايهمنا هو التأكد من مطابقة المواصفات المطلوبة للواقع.


ويوضح د. فتح الله، أن مصر صدرت العام قبل الماضى «2020»، ما يقارب مليوناً و130 ألف طرد نحل حى للخارج، بينما فى 2021 صدرنا نحو مليون و260 ألف طرد، أى أن عملية تصدير النحل تسير بشكل جيد، بل وتتزايد بفضل الله رغم ظروف كورونا وتأثيرها السلبى على الكثير من الأنشطة التجارية والتصديرية، مشيرا إلى تفوق مصرعلى دول متقدمة فى هذا الشأن، منها على سبيل المثال: سلوفاكيا التى بلغت صادراتها عام 2019 نحو 13 مليون دولار، وبلغاريا 10 ملايين دولار فى العام نفسه .


وقال رئيس قسم بحوث النحل، إن ارتفاع الناتج التصديرى يعبر عن زيادة عدد الطوائف « الخلايا» النحلية، وأن الدولة تدعم صادرات النحل بعدة وسائل منها: تخفيض رسوم الفحص والخدمات البيطرية، وتسهيل إجراءات ترخيص المناحل متى توافرت الشروط، وإعفاؤها 10 سنوات من الضرائب، أما بالنسبة لبعض اتهامات التقصير التى دفع بها بعض النحالين، وواجهناه بها، كغياب التواصل الإليكترونى وعدم تحديث صفحة القسم على الفيس بوك منذ عدة سنوات، فقد نفى د. فتح الله، وجود فجوة بين إدارة القسم والعاملين به وبين النحالين، ولو كانوا من الهواة أو المبتدئين، موضحا أن دور القسم تدريبى، وإرشادى، وبحثى، حيث تعقد دورات لتدريب شباب النحالين على كيفية إنشاء المناحل وإدارتها، علاوة على ورشة عمل مجانية تقام سنويا فى شهر فبراير لتوعية شباب النحالين والمصدرين بالأساليب الصحيحة لتربية النحل، كما تتولى الكفاءات العلمية بالقسم إجراء البحوث بهدف تطوير صناعة النحل، لافتا إلى أن أبواب القسم مفتوحة لأى نحال يريد أن يسأل عن ادق اسرار المهنة، مؤكدا أن القسم هو قائد نهضة تلك الصناعة ولولا دوره لما احتلت مصر المرتبة الأولى عالميا فى تصدير النحل الحى.


مزايا تنافسية


جودة ومميزات النحل المصرى لا خلاف عليها فهو قادر على تحمل مدى واسع من درجات الرطوبة والحرارة المختلفة، فضلا عن مقاومته الأمراض ونشاطه المبكر زمنيا، وعلى الرغم من ذلك فإن سعره عالميا ضعيف جدا ! كانت هذه النقطة مثارة من الدكتور نصر بسيونى، الخبير الدولى والمحاضر فى تربية النحل، الذى أوضح أن البيئة المصرية وأجواءها المناخية مناسبة تماما لصناعة النحل طوال العام سواء إنتاج طرود النحل الحى أو العسل الطبيعى أو غذاء الملكات أو الاستخدامات العلاجية لتلك المنتجات، بينما النحل الأوروبى لا يستطيع إنتاج طرود نحل حى قبل شهر 6 عندما تعتدل درجة الحرارة، وتتراوح أسعار الطرد الأوروبى أو التركى من النحل الحى بين 100 و 200 يورو، بينما المصرى بين 10 إلى 30 يورو، مشيرا إلى أن انخفاض السعر يعتبر ميزة تنافسية لكن مطلوب أيضا ألا يكون مبخسا لحقوق المصدرين.


ونبه د. بسيونى، إلى ضرورة وضع تعريف للمصطلحات المستخدمة فى صناعة النحل، إذ إن الاختلاف حولها يؤدى إلى منازعات قضائية بين المستوردين والمصدرين، مطالبا كذلك بتوقيع بروتوكولات تعاون وتبادل مشترك مع الدول العربية التى لا تستورد النحل الحى ومنتجاته من مصر بهدف النفاذ إلى هذه الأسواق، بحيث نستورد ما يناسب السوق المصرية من منتجات مثل البروبليس والغذاء الملكى (وهى من منتجات النحل مثل العسل) من دول المغرب العربى فى مقابل السماح للنحل الحى والعسل المصرى وحبوب اللقاح، خاصة أن السوق الخليجية قد تتوقف لأى سبب فى أى وقت.


 


المصدرون: لماذا تعطّل إنشاء قرية بضائع لخدمة محافظات الصعيد؟


 


 


لجأنا إلى الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، لقراءة مؤشرات أرقام تصدير مصر للنحل الحى على مدى عشر سنوات، بدءا من 2011 حتى سبتمبر العام المنصرم، وأمكننا إعداد إنفوجراف يساعد القراء والمختصين على تتبع مؤشر حجم التصدير الذى يتحرك باتجاه الزيادة المستمرة عاما بعد آخر، ويمكن القول إنه تضاعف خلال العشر سنوات الأخيرة.


كما انطلقنا من خلال ما أورده الجهاز المركزى للإحصاء حول وجود نقطتين فقط يصدر من خلالهما النحل الحى، وهما: قرية البضائع فى القاهرة وتستحوذ على النصيب الأكبر، وأخرى بالإسكندرية، وصدر من خلالهما نحل حى بنحو 175٫4 مليون دولار فى الفترة من 2011 إلى 2021، ومع ذلك هناك شكاوى تتعلق بهذا الأمر تتلخص فى مطالبات بوجود منفذ تصديرى من خلال إنشاء قرية ثالثة للبضائع تخدم مصدرى محافظات الصعيد .. كان هذا مطلب «أبو مرتضى»، أحد شباب النحالين بمحافظة الأقصر، منتقدا ما اعتبره احتكار محافظات الوجه البحرى تصديرالنحل الحى، الأمر الذى يعتبره خسارة كبيرة، حيث تتميز محافظات الوجه القبلى بوفرة إنتاج النحل الحى وكثرة إنتاج الأعسال وتنوعها، وتحتل محافظة أسيوط مثلا – وفقا لما قاله - المركز الأول فى إنتاجه على مستوى الجمهورية، كما أن النحل الصعيدى يعتبر مفضلا أكثر لدى السوق العربى خاصة دول الخليج، حيث الأجواء الخليجية الحارة الجافة، وعلى الرغم من ذلك – يضيف أبو مرتضى -، فلا توجد إمكانات لتصدير النحل الحى من محافظات الوجه القبلى، لأسباب أهمها عدم وجود قرية بضائع فى أى من مطاراته، سواء الأقصر أو أسيوط أو سوهاج، ما يجعل النحال بالصعيد مضطرا إلى بيع الطرود للمصدرين بثمن بخس تحت وطأة الضغوط المالية، ليصبح المستفيدون من تلك العملية هم رجال الأعمال والمصدرون فقط .


هذه النقطة تجعل من يفكر فى تصدير النحل من الوجه القبلى يلجأ للحصول على الطرود من موردى محافظات قريبة للقاهرة، وكما يقول زكريا محيى، من مصدرى محافظة سوهاج: إن ما يؤرق نحالى الصعيد ويفوت علينا فرصا كثيرة، هو أنه لا توجد فرص شحن للنحل الحى ومنتجاته من عسل وخلافه فى الوجه القبلى، خاصة أن الطرد التصديرى لا يتحمل سوى 72 ساعة فى درجة حرارة أقل من 15 درجة مئوية، مطالبا بضرورة إنشاء قرية نستطيع من خلالها تصدير النحل الحى ومنتجاته الأخرى بشكل يضاعف أرقام التصدير.


كما يطالب – من ناحية أخرى -، بدعم صناعة النحل بتوفير سكر مدعوم للنحالين المرخصين


ومما يذكر أنه كانت هناك محاولات من أحد محافظى سوهاج قبل سنوات، لاستغلال أحد أبنية المطار الموجودة هناك بعد تطويره ليصبح مقرا لقرية بضائع تكون منفذا تصديريا للنحل المصرى ومنتجاته، وللخضراوات والفاكهة أيضا، إلا أنه لأسباب غير معلومة لم يتم الأمر؟


90% من عملية التصدير تذهب للخليج فما الأسواق الواعدة مستقبليا ؟ ناقشنا إجابة هذا السؤال مع المهندس إبراهيم ماضى، رئيس جمعية النحالين بالغربية فكانت الإجابة، أن هناك بالفعل أسواقاً واعدة يمكن للنحل المصرى أن يضعها فى الخطة المستقبلية لعملية التصدير، ألا وهى السوق الإفريقية خاصة دول إثيوبيا والسودان وجنوب إفريقيا، لافتا إلى أن الاتحاد الإفريقى كان قد سعى لعمل مشروع تكامل فى صناعة النحل بين الدول الإفريقية لكنه توقف بلا أسباب معروفة، مطالبا بإعادة إحيائه مرة أخرى، لأنه يعتبرمشروعاً واعداً بالنسبة لمصر، ويضاف إلى الأسواق الجديدة المستهدفة وكذلك السوق الأوروبية، ويشير إلى أن السوق الرئيسية المستقبلة للنحل الحى المصرى حاليا هى الخليجية، وأن 90 % من عملية التصدير تذهب لها، لافتا إلى أن هذه السوق تتأثر بظاهرة التغير المناخى، فإذا قلت الأمطار لديهم انخفض الطلب على النحل المصرى، كما يطالب بإنشاء قاعدة بيانات للنحالين وحصر عدد طوائف النحل فى مصر وتفعيل دور التعاونيات الزراعية فى الوقوف بجانب النحال وضمه لها وتسهيل عمله.


التعامل مع النحل الحى بدءا من نقطة وجوده داخل البلد حتى تسليمه خارجها، مرورا بمراحل الشحن والسفر.. من المؤكد أنه ينطوى على مخاطرعديدة أهمها كما قال لنا المهندس محمد الناجح، أحد المصدرين، هو موت النحل، الذى يحدث بسبب إما تعطل تكييفات الطائرة أو اختلال مواعيد الشحن بسبب تغير مواعيد وصول الطائرات، أو تعطلها عن زمن الإقلاع لأى سبب أو إلغاء الرحلات، وقد سبب ذلك بالفعل خسائر له شخصيا العام الماضى بسبب موت النحل فى الطائرة، لافتا إلى أن هناك تنافساً بين شركات الطيران المصرى والإماراتى والكويتى والإثيوبى للفوز بعملية نقل النحل، وأنه شخصيا يفضل الطيران المصرى لأنه يشحن كميات كبيرة فى النقلة ا

المشاركة على منصات التواصل: