«التعديات» تنهب 52 ألف فدان من بحيرة البرلس

«التعديات» تنهب 52 ألف فدان من بحيرة البرلس

بحيرة البرلس ثانى أكبر البحيرات الطبيعية في مصر من حيث المساحة، حيث كانت تبلغ مساحتها حوالى 160 ألف فدان قبل التعديات عليها، فيما بلغت الآن وبعد التعديات وتجفيف مساحات شاسعة منها 108 آلاف فدان.


تقع بحيرة البرلس بمحافظة كفرالشيخ، وتضم عددًا من البيئات، أهمها المستنقعات الملحية والقصبية والسهول الرملية، وتوجد على سواحل البحيرة كثبان رملية مرتفعة، ولكل من تلك البيئات خصائص خاصة بالتربة المكونة لها، وينعكس ذلك على أهمية تلك البيئات من حيث كونها مكانًا طبيعيًا لما يقرب من 135 نوعًا نباتيًا بريًا ومائيًا، كما أن البيئات الرطبة لها دور كبير في استقبال الطيور البرية المهاجرة، وأُعلنت كمحمية طبيعية 1998 بقرار رئيس الوزراء آنذاك في عهد المستشار محمود أبوالليل، محافظ كفرالشيخ آنذاك، الذي طالب رئيس الوزراء بذلك، وتحمس للبحيرة الواعدة لخير المحافظة ومصر كلها.


ويقول عادل قطاطو، عضو مجلس محلى المحافظة الأسبق عن مدينة بلطيم، إن بحيرة البرلس تعد من أقدم البحيرات المصرية وأعرقها، وعُرفت على التوالى باسم بحيرة «بوتو»، ثم «بوتيكو»، وبعدها بحيرة «نيكيولوس»، وفى نهاية حكم الرومان سميت بحيرة «بارالوس»، ثم بحيرة «نستراوة»، نسبة إلى إقليم النستراوية الذي كان مشهورًا في الماضى والذى يُعرف حاليًا بـ«مسطروة»، وقد عُرفت البحيرة أخيرًا باسم بحيرة «البرلس» نسبة إلى إقليم البرلس.


تقع بحيرة البرلس شمال شرق فرع رشيد، وتحتل مركزًا متوسطًا على ساحل ودلتا النيل وتمتد بطول 70 كم تقريبًا، ويتراوح عرضها من 6 إلى 17 كم، وتبلغ مساحتها الحالية حوالى 460 كم²، وتتصل البحيرة بنهر النيل عبر قنال برمبال، وبالبحر المتوسط عبر بوغاز البرلس، وتنتشر بها 30 جزيرة مغطاة بكميات كثيفة من النباتات، وتبعد البحيرة عن القاهرة مسافة 300 كم، وتحتوى على العديد من المعالم مثل برج البرلس، وشبه جزيرة بين البحر المتوسط وبحيرة البرلس، وبوغاز البرلس بشواطئه الرملية الجميلة، وقاومت العدوان ضمن معركة البرلس عام 1956م، وقامت بالقرب منها معركة عُرفت بـ«معركة برج البرلس» ليصبح الرابع من نوفمبر عيدًا قوميًا لمحافظة كفرالشيخ.


يقول فؤاد الرفاعى، عضو مجلس محلى المحافظة الأسبق عن برج البرلس، إن البحيرة بها العديد من الآثار، مثل فنار البرلس وطابية عرابى وغيرهما، وبها صناعة مراكب الصيد وتصديرها للعديد من الدول، إضافة لاحتراف أهلها فنون الصيد بكل أنواعه، وهو صفة مميزة وبها العديد من القرى الصغيرة التي هي أساس الثروة السمكية بها، مثل (البنائين) و(سوق الثلاثاء)، ويكثر انتشار الزراعات على الشواطئ الشرقية والشمالية للبحيرة، خاصة على الكثبان الرملية، حيث تكثر زراعة التين البرشومى والعنب والطماطم والبطيخ والقرع العسلى والنخيل، والتى تعتمد على مياه الأمطار والمياه الجوفية المختزنة بالكثبان الرملية، أما السواحل الجنوبية والغربية للبحيرة فتكثر فيها زراعة المحاصيل مثل القمح والأرز والبرسيم والذرة التي تعتمد على مياه نهر النيل.


يضيف أنه من الطريف في أوائل شهر مارس 2008، في عهد المحافظ الأسبق اللواء صلاح سلامة، فوجئ أفراد حرس الحدود على شاطئ البحيرة بجسم غريب ذى حجم كبير يطفو فوق المياه وتتقاذفه الأمواج، وعند اقترابه من الشاطئ تبين أنه حوت ضخم طوله 17 مترًا ووزنه 6 أطنان، يصل قرية مسطروة بالبرلس، حيث قذفته الأمواج، وتم إعلان حالة الطوارئ على الشاطئ لساعات طويلة، حتى اقترب الجسم من الشاطئ، وتم سحبه بواسطة عدد من الرافعات، وتبين أنه حوت أبيض كبير الحجم في حالة تعفن شديد، وتم حفر حفرة عميقة ودُفن بها، وغُطى بالجير الحى والرمال، وكان ظهور هذا الحوت كبير الحجم ظاهرة فريدة كون الحيتان تعيش في مياه المحيطات.


يضيف أحمد نصار، نقيب الصيادين بمحافظة كفرالشيخ، أن بحيرة البرلس من أكبر وأقدم البحيرات المصرية، فهى محمية طبيعية طبقًا للقانون تقع في أقصى شمال الدلتا، تتوسط فرعى رشيد ودمياط، وتصل البحر الأبيض بنهر النيل عن طريق فتحة بوغاز البرلس بواسطة قناة «برمبال» التي أُنشئت لتغذية البحيرة بالكميات الوفيرة من مياه النيل والأسماك النيلية، وتعتبر البحيرة مصدرًا رئيسيًا لرزق أكثر من 200 ألف صياد، مساحتها تتعدى 160 ألف فدان.. لكن تم تجفيف مساحات شاسعة منها، ما أدى لتقليص المساحة الفعلية لتصبح 108 آلاف فدان.


إضافة إلى قيام مسؤولى هيئة الثروة السمكية بكفرالشيخ بتأجير مساحات من حرم البحيرة بطرق ملتوية بالمخالفة لقرار رئيس الهيئة الصادر عام 2013، وتجديد الإيجارات لبعض كبار الصيادين وعدم تجديدها لصغارهم. ورغم حملات الإزالة المتتالية، فإن البحيرة لاتزال تعانى من وجود مخالفات، أهمها «مافيا» صيد الزرّيعة المخالفة، رغم إنشاء قسم لشرطة المسطحات ينوط به التصدى لها، ما أدى لتراجع عدد الأسماك داخل البحيرة، ولجوء الصيادين إلى الصيد في المياه الإقليمية لبعض الدول العربية والأوروبية.


المهندس صبرى بهوت، من أهالى المنطقة، قال لـ«المصرى اليوم»: إن تلك البحيرة تعرضت للعديد من التعديات عليها حتى من الحكومة نفسها، حيث تم تجفيف آلاف الأفدنة منها بمنطقة الخاشعة، وبيعت من خلال المزادات لصالح الدولة، إضافة لتعديات الأهالى عليها، خاصة عند عمليات التأجير، فيقوم المستأجرون بالاستحواذ على مساحات أكبر من التي تم التعاقد عليها ثم يتم تجفيفها. وأضاف أن البحيرة كادت تنتهى بسبب الكميات الهائلة من البوص التي انتشرت بها، إضافة للحشرات والحيوانات الضالة.


أوضح اللواء جمال نورالدين، محافظ كفرالشيخ، أنه يتم عمل المرحلة الثانية من حماية بحيرة البرلس بما لا يؤثر على أحواض الترسيب لمراحل التكريك والتكوين البيئى للبحيرة، بطول 2500 متر وعرض 18 مترًا، شاملًا عمل ممر مشاة عرض 5.5 متر، وحارة تهدئة بعرض 8.5 متر، وكورنيش مزود بالكراسى وسور كريتال، مع إقامة مراسٍ لمراكب الصيد بطول المشروع بتكلفة 20 مليون جنيه، ويسهم ذلك في تأمين شاطئ البحيرة ضد التعديات من خلال توفير خدمات متكاملة للمواطنين، وإقامة مراسٍ لمراكب الصيد، وإنشاء جسر واقٍ بطول 40 كم بين البحيرة وأراضى الاستزراع السمكى لحماية البحيرة، وتعديل مسار قنال برمبال لتصب في البحيرة مباشرة.


تمت مخاطبة رئيس جهاز تعمير الساحل الشمالى الأوسط من قبل رئيس الهيئة السابق لتطهير قنال برمبال بطول 11 كم بداية من مدخلها أسفل ترعة الرشيدية ناحية فرع رشيد، ودراسة إمكانية تطوير المدخل بحيث تكون الترعة سحارة أسفل مدخل قنال برمبال للعمل بالكفاءة المرجوة مرة أخرى ضمن خطط جهاز تعمير الساحل الشمالى الأوسط، وذلك للمساهمة ضمن أعمال تطوير وتطهير بحيرة البرلس، وتمت مخاطبة مدير عام صرف غرب كفرالشيخ، وذلك لعمل محطات معالجة على المصارف التي تصب داخل البحيرة حفاظًا على البحيرة من التلوث، وتمت تنمية وتطهير منطقة البركة الغربية من ورد النيل والنسيلة ومخالفات الصيد على مساحة 15 ألف فدان تقريبًا، وذلك بواسطة حفارات الهيئة، وتمت إضافة تلك المساحة للصيد الحر بالبحيرة.


أضاف المحافظ: «تعد محافظة كفرالشيخ من أكبر محافظات الجمهورية إنتاجًا للأسماك، حيث تنتج قرابة 70% من الناتج القومى للأسماك بعد افتتاح المدينة السمكية الصناعية بغليون، بالإضافة إلى تنظيم حملات أمنية مكثفة، وذلك لمكافحة التعديات على بحيرة البرلس والصيد المخالف بها، وتشغيل قسم شرطة مسطحات البرلس الجديد لحماية الثروة السمكية وحقوق الصيادين وفرض سيادة القانون. وسيتم استكمال تطهير وتعميق بحيرة البرلس والانتهاء من إقامة ثلاث قنوات إشعاعية مع تطهير بوغاز البرلس لضمان سهولة تدفق المياه من وإلى بحيرة البرلس عبر البوغاز لتنمية الثروة السمكية بالبحيرة، تنفيذًا لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسى بتنمية البحيرات المصرية، وإزالة التعديات عليها كأهم المصادر الطبيعية للأسماك». وأوضح محافظ كفرالشيخ أن «حملات إزالة التعديات على بحيرة البرلس مستمرة، بالتنسيق مع اللواء مساعد وزير الداخلية لأمن كفرالشيخ، ولن نسمح بممارسات الصيد المخالف ببحيرة البرلس، لحماية الثروة السمكية وضبط المخالفين وفرض سيادة القانون والحفاظ على حقوق ومصدر معيشة العديد من الصيادين البسطاء، في ظل اهتمام الدولة باستعادة الأمن وفرض القانون والحفاظ على الثروة السمكية والاقتصاد القومى للدولة».


شدد المحافظ على مراجعة قرارات العقوبات على المخالفات بالتنسيق مع الثروة السمكية وشرطة المسطحات المائية، لافتًا إلى أنه تم حصر جميع مشاكل بحيرة البرلس، مكلفًا بتوفير الأدوات اللازمة لشرطة المسطحات للقيام بالحملات الليلية، فضلًا عن تشغيل 2 لانش أمنى، وتكثيف الحملات ببلطيم لمكافحة الصيد الجائر وحماية الثروة السمكية.


أكد أن تهريب زريعة الأسماك يعد خرقًا للقانون وإهدارًا لحق الدولة وتهديدًا للثروة السمكية بالمحافظة، مشددًا على تكثيف الحملات اليومية للحفاظ على الثروة السمكية ومكافحة الصيد الجائر وصيد الزريعة، وأكد ملاحقة كافة المخالفات وجرائم صيد الزريعة والصيد الجائر للقضاء عليها تمامًا.


وأعلن محافظ كفرالشيخ إدخال مشروعات الصرف الصحى لـ79 قرية مطلة على بحيرة البرلس، بالتعاون مع البنك الدولى، كما سيتم بحث إنشاء محطات معالجة على مصبات المصارف المطلة على بحيرة البرلس كمصادر للمياه العذبة للبحيرة وتحسين جودة المياه الواردة إليها.

المشاركة على منصات التواصل: